غالبًا ما تعلمنا الجامعات والمدارس مبادئ دراسة السوق وتقنيات تحديد السعر الذي يحقق الربح للشركات، دون التطرق إلى استراتيجيات التسعير النفسي. وكأنها تخبرنا أن هناك نقطة واحدة يجب أن يتحدد سعر المنتج عندها. لكن الحقيقة هي أن التسعير لا يمكن حصره في رقمٍ واحدٍ نهائيًا!

في هذه المقالة: سنخرج عن الحالة النمطية لآليات التسعير، لنرى كيف يتأثر عقل المستهلك ومشاعره بالأرقام التي يقرأها على ورقة السعر، فإما يمتنع عن الشراء، أو يشعر بالنصر لحصوله على صفقة رابحة.

فإذا كنت تود حقًا أن يكون زبائنك من النوع الثاني، فاترك ما تفعله وركز في قراءة السطور التالية!

ما هو التسعير النفسي؟

كما يدل الاسم، هو استراتيجية تسعير تعتمد على أن الأرقام التي يتكون منها السعر لها تأثير نفسي كبير على المستهلك. وبالتالي تسعى هذه النظرية للتلاعب بالشكل الذي يبدو عليه السعر لإقناع العميل بشراء المنتج.

ما هي استراتيجيات التسعير النفسي؟

التسعير المغري (Charm Pricing):

هل تساءلت لماذا تقوم بعض المحلات التجارية وصالات عرض الملابس أو الأجهزة الإلكترونية بعرض منتج ما بسعرٍ ينتهي بالرقم 99. أو 9 بدلًا من عرض السعر كرقم صحيح؟ حسنًا، هذه هي استراتيجية التسعير المغري والتي تتضمن تخفيض السعر ذو الرقم الصحيح بأصغر وحدة ممكنة (قرش، سنت، فلس … الخ).

السبب وراء ذلك هي أن العقل البشري بشكل لا إرادي يبدأ بقراءة الأرقام من اليسار إلى اليمين، وبالتالي يولي أهميةً لأول رقم يقرؤه. فعلى سبيل المثال: عندما نرى اعلانًا لجهاز إلكتروني بسعر 399$ فإننا بشكل لا عقلاني نعتقد ان سعر المنتج أقرب ليكون 300$ من كونه 400$! إذا ركزنا قليلًا بحقيقة السعر فسنكتشف أن السعر الذي أدركه عقلنا هو أقل بـ 100$ كاملة من السعر الحقيقي، حيث أننا وبدون هذا التحليل الواعي سنعقد أننا قد حصلنا على صفقة مربحة وسنتخذ قرار بشراء المنتج!

وبشكل مشابه، عندما نعرض جوزًا من الجوارب بسعر7.99$ فإن عقل المستهلك سيقوم بتقريب السعر إلى أول رقم يقرأه، وهو 7$ بدلاً من 8$!

فإذا كنت ترغب بزيادة المبيعات لمنتجك ربما تود ان تعرض سعره باستخدام التسعير المغري. وربما كنوع من التأثير الاضافي سترغب بكتابة الرقم 9 أو (0.99) بخط اصغر من الرقم الأساسي، وهو ما سيزيد التأثير على المستهلك لشراء المنتج 😉

تسعيرة اشتري قطعة واحصل على الثانية مجاناً BOGO

من منا يستطيع مقاومة الأشياء المجانية؟ تعتمد هذه الاستراتيجية على حث العميل لدفع ثمن المنتج كاملًا مقابل الحصول على قيمة إضافية بشكل مجاني، وياتي الاختصار BOGO من الاسم Buy One Get One

بمجرد ان يتلقى العقل البشري تلك المعلومة التي تنص على الحصول على منتجٍ مجاني، يبدأ المنطق لديه بحساب القيمة الإضافية التي سيحصل عليها مجانًا، فإذا وجد أن تلك القيمة تستحق فعلاً دفع ثمن المنتج بشكل كامل، فسيتخذ قراره بالشراء.

التسعير النفسجي - استراتيجية BOGO

ينبع القرار بالشراء هنا من شعور المستهلك بالمكسب الإضافي الذي حققه، خصوصًا إذا كان المنتج ذو أهمية لديه، دون أن يدرك أنه ربما دفع ثمن تلك القيمة الإضافية مسبقاً ضمن سعر المنتج الأساسي!

لكن لننتظر لحظة! ربما تم استخدام هذه الفكرة في بعض الأسواق بشكلٍ مثيرٍ للشبهة ودون تخطيط ومن دون دراسة تقبل المستهلك للسعر، ما أدى في بعض الأحيان إلى النفور من المنتجات التي تعتمد آلية التسعير هذه … إذًا كيف يمكننا استخدام هذا النوع من التسعير النفسي في اوضاع مشابهة!؟

إليكم بعض النصائح التي يمكنكم استخدامها:

  • اعط الزبائن قيمة نقدية يمكن استخدامها عند عملية الشراء المقبلة (اشتري الآن واحصل على تخفيض 35$ على فاتورتك المقبلة)
  • اعط الزبون عدة خيارات مجانية يمكنه الاختيار منها فربما يحتاج حذاء واحد فقط وليس اثنان، ولكنه يحتاج معه زوج من الجوارب أو نظارة شمسية او قبعة فريق رياضي معين…
  • اشتري واحد وادخل على سحب 10 موبايلات iPhone 11+!

الخلاصة أنك بحاجة لاختراع أساليب جديدة توفر قيمة إضافية للعميل عند استخدام استراتيجية BOGO

التسعير بمبدأ البوشار (Popcorn Pricing)

يسمى أيضًا بتأثير الخدعة Decoy Effect، وتعتبر آلية التسعير هذه من أهم استراتيجيات التسعير النفسي، حيث تركز على التلاعب بالعقل من خلال إعطائه ثلاثة خيارات: الأول غير مجدي إلى حدٍ ما، والثاني هو خيار تضليلي، ثم يأتي الخيار الثالث وكأنه الصفقة الرابحة بين الخيارات السابقة.

على سبيل المثال: هل سبق آن ذهبت إلى السينما لمشاهدة فيلم ما، وقبل أن يبدأ الفيلم قررت الذهاب لتشتري البوشار من ذلك الكشك الصغير في الزاوية؟ يعرض عليك البائع ثلاث عبوات (صغيرة – متوسطة – وكبيرة)، وإذا كان تخميني صحيحًا فغالبًا ما ينتهي بك الأمر بشراء العبوة الكبيرة … ولكن هل تساءلت يومًا لماذا تشتري الحجم الكبير دون غيره؟

في العادة يتم تسعير عبوات البوشار الثلاثة كما هو موضح في الصورة التالية (العبوة الصغيرة بـ 4$، المتوسطة بـ 6.5$، والكبيرة بـ 7$)

صورة توضيحية لمبدأ التسعير بالبوشار آحد استراتيجات التسعير النفسي

عندما يبدأ عقل المستهلك بتحليل الخيارات المتوفرة، سيأتي بالنتائج التالية:

  • العبوة الصغيرة تحتوي كمية قليلة تنتهي بسرعة
  • المتوسطة تحتوي كمية مقبولة ولكنها مرتفعة السعر نسبيًا
  • الكبيرة تحتوي كمية كبيرة وبسعر منافس للعبوة المتوسطة

وبشكل تلقائي سيتخذ المستهلك قرارًا بشراء العبوة كبيرة الحجم لشعوره بالنصر بالصفقة الرابحة، بينما بشكلٍ أو بآخر قد تم التأثير عليه لاتخاذ قرار شراء العبوة الكبيرة باستخدام هذا النوع من آنواع التسعير النفسي.

تسعير البريستيج (Prestige Pricing)

غالبًا يتم إغفال دور هذا النوع من استراتيجيات التسعير النفسي. وعلى عكس مبدأ التسعير المغري، تعتمد استراتيجية التسعير بالبريستيج على عرض سعر المنتج ضمن رقم صحيح لا يحتوي على آحاد ولا على فواصل وأجزاء عشرية. على سبيل المثال يتم عرض سعر المنتج كـ 500$، وليس 505$، ولا 499$، ولا 490$!

يتم استخدام تأثير هذه الاستراتيجية من التسعير النفسي للمنتجات والعلامات التجارية الموجهة للفئات الغنية من المستهلكين والذين يفضلون شراء منتجات ذات سعر عالٍ حفاظًا على صورتهم المجتمعية. فلو كان الزبون صاحب أعمال كبير وأراد أن يتفاخر أمام شركائه أو أصدقائه بساعة Rolex جديدة، فمن المؤكد أنه سيخبرهم أنه اشتراها برقم صحيح (5700$) وهو السعر الحقيقي الذي تم عرض الساعة به!

هناك دراسة نفسية أخرى مفادها أن اعتماد آلية التسعير بالبريستيج (تحديد رقم صحيح دون فواصل أو آحاد لسعر المنتج) من شأنه أيضًا تسهيل عملية معالجة الرقم لدى الزبون، وبالتالي سهولة اتخاذ القرار، لكنها غير شائعة بشكل كبير لعدم دقتها.

عرض السعر القديم إلى جانب الجديد:

تستطيع استعمال هذه الاستراتيجية لجذب عملائك عند تخفيض سعر منتجك ضمن نطاق زمني معين، فحينما تقوم بعرض السعر المنخفض بحجم كبير وإلى جانبه السعر السابق والمرتفع للمنتج مشطوبًا بخط، فأنت تعطي فرصة لعقل المستهلك للشعور أنه أمام فرصة مربحة قد تنتهي قريبًا، مما يدفعه لاتخاذ القرار بالشراء!

استراتيجية التسعير النفسي

أهم المعلومات التي ترغب بتذكرها

للنجاح في تسعير منتجك لا تعتمد فقط على الأدوات العلمية والتطبيقية التي توفرها لك الكتب الأكاديمية فحسب، ستحتاج لفهم نفسية عملائك وكيف يؤثر تلاعبك بالأرقام على قرارات الشراء لديهم، وربما ستساعدك استراتيجيات التسعير النفسي التي مرت في هذه المقالة بالوصول للسعر المناسب.

ربما يهمك أيضًا قراءة:

3 طرق لـ التجسس على إعلانات المنافسين في فيسبوك وانستاغرام!

أهم المراجع:

Penny Wise and Pound Foolish: The Left-Digit Effect in Price Cognition

https://academic.oup.com/jcr/article-abstract/32/1/54/1796360